للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأخبر سبحانه أنه لا تستغني عنه الأمم لما فيه من تهذيب الأخلاق، وتزكية النفوس، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)} [البقرة:١٨٣].

ولما كان فطم النفوس عن مألوفاتها وشهواتها من أشق الأمور وأصعبها، تأخر فرض الصيام على أمة الإسلام إلى السنة الثانية بعد الهجرة، بعدما توطنت النفوس على التوحيد والصلاة، وألفت أوامر القرآن، فنقلت إليه بالتدريج، وتوفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد صام تسع رمضانات.

قال ابن القيم - رحمه الله -: «ومن حكم الصيام: أن المقصود منه حبس النفوس عن الشهوات، وفطامها عن المألوفات، وتعديل قوتها الشهوانية؛ لتستعد لطلب ما فيه سعادتها، ونعيمها، وقبول ما تزكو به مما فيه سعادتها في حياتها الأبدية، ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها، ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين، ويضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب، فهو لجام المتقين، وجنة المحاربين، ورياضة الأبرار والمقربين، وهو لرب العالمين من بين سائر الأعمال، فإن الصائم لا يفعل شيئًا، وإنما يترك شهوته وطعامه وشرابه من أجل معبوده، فهو ترك محبوبات النفس وتلذذاتها إيثارًا لمحبة الله ومرضاته، وهو سر بين العبد وربه لا يطلع عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>