يعبدون الشمس والقمر والنجوم، وهم فلاسفة الصابئة الذين هم من أخبث الطوائف، وأعظمها ضررًا على الخلق، فدعاهم بطرق شتى، فأول ذلك دعاهم بطريقة لا يمكن صاحب عقل أن ينفر منها، ولما كانوا يعبدون السبع (١)
السيارات التي منها الشمس والقمر، وقد بنوا لها البيوت وسموها الهياكل، قال لهم ناظرًا ومناظرًا، هلم يا قوم ننظر هل يستحق منها شيء من الإلهية والربوبية؟ {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي}، أي إن كان يستحق الإلهية بعد النظر في حالته ووصفه فهو ربي، مع أنه يعلم العلم اليقيني أنه لا يستحق من الربوبية والإلهية مثقال ذرة، ولكن أراد أن يلزمهم بالحجة {فَلَمَّا أَفَلَ}، أي غاب {قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، فإن من كان له حال وجود وعدم، أو حال حضور وغيبة، قد علم كل عاقل أنه ليس بكامل، فلا يكون إلهًا، ثم انتقل إلى القمر، فلما رآه بازغًا: {قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (٧٧)} [الأنعام:٧٧].
يريهم صلوات الله وسلامه عليه، وقد صور نفسه بصورة الموافق لهم، لا على وجه التقليد، بل يقصد إقامة البرهان إلى إلهية النجوم والقمر، فالآن وقد أفلت، وتبين بالبرهان العقلي مع السمعي بطلان إلهيتها، فأنا إلى الآن لم يستقر لي
(١) النجوم السبعة السيارة: الشمس، القمر، الزهرة، المشتري، المريخ، زحل، وعطارد. انظر: تفسير السعدي (١/ ٩١٢).