فرفع الله خليله إبراهيم بالعلم وإقامة الحجة، وعجزوا عن نصر باطلهم؛ ولكنهم صمموا على الإقامة على ما هم عليه، ولم ينفع فيهم الوعظ والتذكير وإقامة الحجج، فلم يزل يدعوهم إلى الله، وينهاهم عما كانوا يعبدون نهيًا عامًّا وخاصًّا، وأخص من دعاه أبوه آزر؛ فإنه دعاه بعدة طرق نافعة، ولكن: {إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ (٩٧)} [يونس:٩٦ - ٩٧].
فلم يزل إبراهيم مع قومه في دعوة وجدال، وقد أفحمهم وكسر جميع حججهم وشُبههم، فأراد - صلى الله عليه وسلم - أن يقاومهم بأعظم الحجج، وأن يصمد لبطشهم وجبروتهم وقدرتهم وقوتهم، غير هائب ولا وجل، فلما خرجوا ذات يوم لعيد من أعيادهم وخرج معهم، فنظر نظرة في النجوم، فقال: إني سقيم؛ لأنه خشي إن تخلف لغير هذه الوسيلة لم يدرك مطلوبه؛ لأنه تظاهر بعداوتها والنهي الأكيد عنها وجهاد أهلها، فلما برزوا جميعًا إلى الصحراء كرَّ راجعًا إلى بيت أصنامهم، فجعلها جذاذًا كلها إلا صنمًا كبيرًا أبقى عليه ليلزمهم بالحجة، فلما رجعوا من عيدهم بادروا إلى أصنامهم صبابة ومحبة، فرأوا فيها أفظع منظر رآه أهلها، فقالوا: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ