للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لحزنه وغمه وحسرته، من أن لا يكون فيه صنع ولا اختيار، فإنه سبحانه أراد أن يظهر لفرعون وقومه ولغيرهم من خلقه كمال قدرته وعلمه، وحكمته الباهرة، وأن هذا الذي يذبح فرعون الأبناء في طلبه هو الذي يتولى تربيته في حجره وبيته باختياره وإرادته، ويكون في قبضته وتحت تصرفه، فذكر فعلهم به في هذا أبلغ وأعجب من أن يذكر القضاء والقدر» (١).

ومنها: «لطف الله بأم موسى بذلك الإلهام الذي به سلم ابنها، ثم تلك البشارة من الله لها برده إليها، التي لولاها لقضى عليها الحزن على ولدها، ثم رده إليها بإلجائه إليها قدرًا بتحريم المراضع عليه، وبذلك وغيره يعلم أن ألطاف الله على أوليائه لا تتصورها العقول، ولا تعبر عنها العبارات، وتأمل موقع هذه البشارة، وأنه أتاها ابنها ترضعه جهرًا، وتأخذ عليه أجرًا، وتسمى أمه شرعًا وقدرًا، وبذلك اطمأن قلبها، وازداد إيمانها، وفي هذا مصداق لقوله تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة:٢١٦]، فلا أكره لأم موسى من وقوع ابنها بيد آل فرعون، ومع ذلك ظهرت عواقبه الحميدة، وآثاره الطيبة.

ومنها: أن آيات الله وعبره في الأمم السابقة، إنما يستفيد منها ويستبشر بها المؤمنون، والله يسوق القصص لأجلهم،


(١) بدائع التفسير لابن القيم - رحمه الله - (٣/ ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>