للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أوصاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتعفف والصبر، والبعد عن الفتن، فروى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي ذر قال: «رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - حِمَارًا وَأَرْدَفَنِي خَلْفَهُ، ثُمَّ قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إنْ أَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ شَدِيدٌ لا تَسْتَطِيعَ أَنْ تَقُومَ مِنْ فِرَاشِكَ إلَى مَسْجِدِكَ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟» قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «تَعَفَّفْ»، قَالَ: «يَا أَبَا ذَرٍّ، أَرَأَيْتَ إنْ أَصَابَ النَّاسَ مَوْتٌ شَدِيدٌ يَكُونَ الْبَيْتُ فِيهِ بِالْعَبْدِ - يَعْنِي الْقَبرَ (١) - كَيْفَ تَصْنَعُ؟» قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «اصْبِرْ» (٢)، قال: «يَا أَبَا ذَرٍّ أَرَأَيْتَ إنْ قَتَلَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، يعني: حَتَّى تَغْرَقَ حِجَارَةُ الزَّيْتِ (٣) مِنَ الدِّمَاءِ، كَيْفَ تَصْنَعُ؟» قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «اقْعُدْ فِي بَيْتِكَ، وَأَغْلِقْ عَلَيْكَ بَابَكَ»، قَالَ: فَإنْ لَمْ أُتْرَكْ؟ قَالَ: «فَائْتِ مَنْ أَنْتَ مِنْهُم (٤)، فَكُنْ فِيهِمْ»، قَالَ: فَآخُذُ سِلاحِي؟ قَالَ: «إذَنْ تُشَارِكُهُمْ فِيمَا هُمْ فِيه، وَلَكِنْ إنْ خَشِيتَ أَنْ يَرُوعَكَ شُعَاعُ السَّيْفِ، فَأَلْقِ طَرَفَ رِدَائِكَ عَلَى وَجْهِكَ حَتَّى يَبُوءَ بإثْمِهِ وَإثْمِكَ» (٥).


(١) يعني القبر: هو بيان لكثرة الموت حتى تصير القبور غالية لكثرة الحاجة إليها وقلة الحفارين، ويحتمل أن يكون بيانًا لرخاء البيوت بكثرة الموت حتى يكون البيت مساويًا للعبد.
(٢) اصبر: أي فكثرة الموت في مكان لا يقتضي الخروج من ذلك المكان.
(٣) حجارة الزيت: قيل هي موضع بالمدينة.
(٤) «من أنت منهم»: أي اترك المدينة وائت قبيلتك وأهل باديتك.
(٥) (٣٥/ ٢٥٢) برقم ٢١٣٢٥، وقال محققوه: إسناده صحيح على شرط مسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>