للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالك - رضي الله عنه - أنه قال: كُنْتُ أَمْشِي مَعَ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الْحَاشِيَةِ، فَأَدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَدِيدَةً، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عُنُقِ رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ أَثَّرَ بِهَا حَاشِيَةُ الْبُرْدِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مُرْ لِي مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثُمَّ ضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بعِطَاءٍ (١).

قال ابن حجر - رحمه الله -: «وفي هذا الحديث بيان حلمه - صلى الله عليه وسلم - وصبره على الأذى في النفس والمال، والتجاوز على جفاء من يريد تألفه على الإسلام، وليتأسى به الولاة بعده في خلقه الجميل من الصفح والإغضاء والدفع بالتي هي أحسن» (٢).

وقال القرطبي - رحمه الله -: «وهذا الحديث يدل على ما وصف الله به نبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه على خلق عظيم، وأنه رؤوف رحيم، فإن هذا الجفاء العظيم الذي صدر من هذا الأعرابي لا يصبر عليه ولا يحلم عنه مع القدرة عليه إلا مثله، ثم ضحكه - صلى الله عليه وسلم - عند هذه الجبذة الشديدة التي انشق البرد عنها وتأثر عنقه بسببها حتى انفلت عن وجهته ورجع إلى نحر الأعرابي، دليل على أن الذي تم له من مقام الصبر والحلم ما تم لأحد» (٣).


(١) صحيح البخاري برقم ٥٨٠٩، وصحيح مسلم برقم ١٠٥٧.
(٢) فتح الباري (١٠/ ٥٠٦).
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٣/ ١٠٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>