للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ} أي من الناس {فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً} أي سهلًا، ولا تتكلف إعمال الجدال في مثل هذا الحال، ولا تستفت في أمرهم أحدًا من الرجال؛ ولهذا أبهم تعالى عدتهم في أول القصة، فقال: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ} ولو كان في تعيين عدتهم كبير فائدة لذكرها عالم الغيب والشهادة.

وقوله تعالى: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا (٢٤)} أدب عظيم أرشد الله تعالى إليه، وحث خلقه عليه، وهو ما إذا قال أحدهم: إني سأفعل في المستقبل كذا، فيشرع له أن يقول: إن شاء الله؛ ليكون ذلك تحقيقًا لعزمه؛ لأن العبد لا يعلم ما في غدٍ، ولا يدري أهذا الذي عزم عليه مقدر أم لا، وليس هذا الاستثناء تعليقًا، وإنما هو تحقيقي، ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: «إنه يصح إلى سنة، ولكن قد يكون في بعض المحال لهذا ولهذا»، كما تقدم في قصة سليمان - عليه السلام -، حين قال: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة، تلد كل امرأة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فطاف، فلم تلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَانَ دَرَكًا لِحَاجَتِهِ» (١).


(١) صحيح البخاري برقم ٦٦٣٩، وصحيح مسلم برقم ١٦٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>