فيهم العلماء على قولين: فقيل: إنهم من الناجين، وقيل: إنهم من الهالكين، والصحيح الأول عند المحققين، وهو الذي رجع إليه ابن عباس إمام المفسرين، وذلك عند مناظرة مولاه عكرمة، فكساه من أجل ذلك حلة سنية؛ تكرمة، قلت: وإنما لم يذكروا من الناجين؛ لأنهم وإن كرهوا ببواطنهم تلك الفاحشة، إلا أنهم كان ينبغي لهم أن يحملوا ظواهرهم بالعمل المأمور به من الإنكار القولي، الذي هو أوسط المراتب الثلاث، التي أعلاها الإنكار باليد، ذات البنان، وبعدها الإنكار القولي باللسان، وثالثها الإنكار بالجنان، فلما لم يذكِّروا لم يُذكَرُوا مع الناجين، إذ لم يفعلوا الفاحشة، بل أنكروا.
وقد روى عبدالرزاق عن ابن جريج عن رجل عن عكرمة عن ابن عباس وحكى مالك عن ابن رومان، وشيبان عن قتادة وعطاء الخراساني ما مضمونه: أن الذي ارتكبوا هذا الصنع، اعتزلهم بقية أهل البلد، ونهاهم من نهاهم منهم، فلم يقبلوا، فكانوا يبيتون وحدهم ويغلقون بينهم وبينهم أبوابًا، حاجزًا لما كانوا يترقبون من هلاكهم، فأصبحوا ذات يوم وأبواب ناحيتهم مغلقة لم يفتحوها، وارتفع النهار واشتد الضحاء، فأمر بقية أهل البلد رجلًا أن يصعد على سلالم، ويُشرف عليهم من فوقهم، فلما أشرف عليهم، إذا هم قردة لها أذناب يتعاوون ويتعادون، ففتحوا عليهم الأبواب فجعلت القردة تعرف قراباتهم، ولا