ورضي الباقون بذلك، لذلك أضاف الفعل في بعض الآيات إليهم جميعًا فقال:{فَعَقَرُوهَا} فعمهم الله بعذاب ولم ينجو منهم إلا من لم يرض بذلك وهم المؤمنون؛ ففيه دليل على أن الراضي كالفاعل، كيف لا! والرضى عمل من أعظم أعمال القلوب بل هو مقدمها، فقد روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:«يَا أَبَا سَعِيد! مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ»(١) الحديث.
وقال الله تعالى:{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} فدلت الآية على أن الله سبحانه وتعالى يرضى الشكر من عباده ويحبه ويبغض الكفر منهم، وهو غني عنهم، فمن رضي ما رضيه الله ورسوله فذاك مؤمن، ومن لم يرض ما رضيه الله ورسوله، فليس من الله ورسوله في شيء. وقال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (١١٣)} [الأنعام:١١٢ - ١١٣] فدلت الآية على أن الرضا عمل من الأعمال، ولذلك ذمهم الله عليه. فليحذر المسلم من أن يرضى ما لم يرضه الله ورسوله من أعمال الكفار والفاسقين فيدخل مدخلهم ويصيبه ما يصيبهم