للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم - وحفظه له من أعدائه الحريصين على فتنته بكل طريق، فقال: {وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا (٧٣)} أي: قد كادوا لك أمرًا لم يدركوه، وتحيلوا لك على أن تفتري على الله غير الذي أنزلنا إليك، فتجيء بما يوافق أهواءهم، وتدع ما أنزل الله إليك وإذا لو فعلت ما يهوون لاتخذوك خليلًا أي حبيبًا أعز عليهم من أحبابهم لما جبلك الله عليه من مكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب المحببة للقريب والبعيد، والصديق والعدو، ولكن لتعلم أنهم لم يعادوك وينابذوك العداوة إلا للحق الذي جئت به، لا لذاتك، كما قال تعالى: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام: ٣٣].

ومع هذا {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ} على الحق، وامتننا عليك بعدم الإجابة لداعيهم {لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ} بما يهوون {لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} أي لأصبناك بعذاب مضاعف في الدنيا والآخرة، وذلك لكمال نعمة الله عليك، وكمال معرفتك {ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا} ينقذك مما يحل بك من العذاب، ولكن الله تعالى عصمك من أسباب الشر، ومن الشر، فثبتك وهداك الصراط المستقيم، ولم تركن إليهم بوجه من الوجوه فله عليك أتم نعمة، وأبلغ منحة (١).


(١). تفسير الشيخ ابن سعدي - رحمه الله - ص ٦٠١.

<<  <  ج: ص:  >  >>