ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ»، فاستعاذتُه بالله الالتجاءُ إليه والتحصُّن به والهروب إليه من المستعاذ منه، كما يَتحصَّن الهاربُ من العدوّ بالحصن الذي ينجيه منه. وفيه إثبات فعلِ العبدِ وكسْبه، وأنّ الشرَّ مضافٌ إلى فعلِه هو، لا إلى ربِّه، فقال:«أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ». فالشرُّ إنما هو من العبد، وأما الربُّ فله الأسماء الحسنى، وكلُّ أوصافِه صفاتُ كمال، وكلُّ أفعالِه حكمة ومصلحة. ويؤيّد هذا قولُه - عليه السلام -: «والشرُّ ليس إليك» في الحديث الذي رواه مسلم في دعاء الاستفتاح. (١)
ثمَّ قال - صلى الله عليه وسلم -: «أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ» أي أعترفُ بأمر كذا، أي أُقِرُّ به، أي فأنا معترفٌ لك بإنعامك عليَّ، وإني أنا المذنب، فمنك الإحسانُ ومني الإساءةُ. فأنا أحمدك على نعمك، وأنتَ أهلٌ لأن تُحمَد، وأستغفرك لذنوبي.
لهذا قال بعض العارفين: ينبغي للعبد أن تكون أنفاسُه كلُّها نفسَيْن: نفسًا يَحمد فيه ربَّه، ونفسًا يستغفره من ذَنْبه. ومن هذا حكاية الحسن مع الشابّ الذي كان يجلس في المسجدَ وحدَه ولا يجلس إليه، فمرّ به يومًا فقال: ما بالك لا
(١). برقم (٧٧١) من حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.