أنزل من السماء ماء فأنبت به أصناف النبات والعشب الكثير فرتع فيه الناس والبهائم وجميع الحيوانات، ثم بعد أن استكمل ما قُدر له من الشباب ألوى نباته، وصوح عشبه، فجعله يابسًا أسود، من الحُوة وهي سمرة تقرب من السواد، وهو في كلا الحالين علف للدواب.
قوله تعالى: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (٦)} أي سنقرئك أيها النبي القرآن قراءة فلا تنساه، أي لا يذهب من صدرك، والذي يقرئ النبي - صلى الله عليه وسلم - هو جبريل عليه السلام، وأضاف الله الإقراء إلى نفسه المقدسة لأنه الآمر بذلك. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعجل إذا جاء جبريل يُلقي عليه الوحي فقال الله له: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩)} [سورة القيامة، آيات رقم: ١٦ - ١٩] فصار النبي - صلى الله عليه وسلم - ينصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرأه (١).
وفي الآية بشارة من الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم - أنه يقرئه القرآن ويحفظه ولا ينسى منه شيئًا، وتلك معجزة له عليه الصلاة والسلام، فمع أنه أمي لا يقرأ ولا يكتب، وليس راوية للأشعار والأخبار فإن الله يسر له حفظ القرآن ووعده باستمرار الوحي كما يفيده الفعل المضارع «سنقرئك» وقد وقع ذلك حقًا،