الجهاد لطلب الراحة فإنه شر لأنه يعقبه الخذلان، وتسلط الأعداء على الإسلام وأهله، وحصول الذل والهوان، وفوات الأجر العظيم وحصول العقاب. وهذه الآيات عامة في أن أفعال الخير التي تكرهها النفوس لما فيها من المشقة أنها خير بلا شك، وأن أفعال الشر التي تحبها النفوس لما تتوهمه فيها من الراحة واللذة فهي شر بلا شك، وأما أحوال الدنيا فليس الأمر مطردًا، ولكن الغالب على العبد المؤمن أنه إذا أحب أمرًا من الأمور فقيض الله له من الأسباب ما يصرفه عنه أنه خيرُ له، فالأوفق له في ذلك أن يشكر الله، ويعتقد الخير في الواقع لأنه يعلم أن الله تعالى أرحم بالعبد من نفسه وأقدر على مصلحة عبده منه، وأعلم بمصلحته منه، كما قال تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)}. فاللائق بكم أن تمشوا مع أقداره سواء سرتكم أو ساءتكم» (١).
قال ابن القيم - رحمه الله -: في هذه الآية عدة حكم وأسرار ومصالح للعبد:
فإن العبد إذا علم أن المكروه قد يأتي بالمحبوب، والمحبوب قد يأتي بالمكروه، لم يأمن أن توافيه المضرةُ من جانب المسرة، ولم ييأس أن تأتيه المسرة من جانب المضرة؛ لعدم علمه بالعواقب؛ فإن الله يعلمُ منها ما لا يعلمهُ العبدُ.
(١) تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان (ص ١٠٢).