للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: ٥٠].

قال تعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [الشورى: ١٠].

وللحكيم معنى آخر، وهو ذو الحكمة، والحكمة ضد السفه، وهي وضع الأشياء في مواضعها اللائقة بها.

ولذلك كانت أحكام الله الكونية والشرعية والجزاء مقرونة بالحكمة ومربوطة بها، فلم يخلق سبحانه شيئًا عبثًا، ولم يترك خلقه سدى لا يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون، فما أعطى الله شيئًا إلا لحكمة، ولا أنعم بنعمة إلا لحكمة، ولا أصاب بمصيبة إلا لحكمة، وما أمر الله بشيء إلا لحكمة، والحكمة في فعله والتزامه، ولا نهى عن شيء إلا لحكمة والحكمة في تركه واجتنابه. قال تعالى مقررًا هذه الصفة العظيمة صفة الحكمة: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ * فَتَعَالَى اللهُ المَلِكُ الحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ} [المؤمنون: ١١٥ - ١١٦]، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} [ص: ٢٧]، وللحكيم معنى ثالث وهو المحكم الذي أحكم كل شيء خلقه فما في خلق الرحمن من تفاوت ولا تناقض ولا خلل، صنع الله الذي أتقن كل شيء وليس في شرعه من تناقض ولا اختلاف، قال تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] (١). قال بعضهم: ذكر الحكيم في أكثر من تسعين مرة، اقترن في أكثرها بالعزيز والعليم، مما يدل على أن حكمته صادرة عن عزة وعلم، قال تعالى: {وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِنْدِ اللهِ العَزِيزِ الحَكِيم} [آل عمران: ١٢٦]، وقال تعالى: {نَرْفَعُ


(١) الضياء اللامع من الخطب الجوامع (١/ ٨٦ - ٨٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>