للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَحْتَ شَجَرَةٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا» (١).

قال ابن القيم رحمه الله: «ولا تتم الرغبة في الآخرة إلا بالزهد في الدنيا، ولا يستقيم الزهد في الدنيا إلا بعد نظرين صحيحين: النظر الأول: النظر في الدنيا وسرعة زوالها وفنائها، وألم المزاحمة عليها، والحرص عليها، وما في ذلك من الغصص والنغص والأنكاد، وآخر ذلك الزوال والانقطاع، مع ما يعقب من الحسرة والأسف، فطالبها لا ينفك من همّ قبل حصولها، وهمّ في حال الظفر بها، وحزن وغم بعد فواتها، فهذا أحد النظرين.

النظر الثاني: النظر في الآخرة، وإقبالها، ومجيئها، ولا بد من دوامها وبقائها، وشرف ما فيها من الخيرات والمسرات، والتفاوت الذي بينه وبين ما ههنا، فهي كما قال سبحانه: {وَالآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: ١٧] فهي خيرات كاملة دائمة، وهذه خيالات ناقصة منقطعة مضمحلة، فإذا تم له هذان النظران آثر ما يقتضي العقل إيثاره، وزهد فيما يقتضي الزهد فيه، فكل أحد مطبوع على أن لا يترك النافع العاجل، واللذة الحاضرة إلى النفع الآجل، واللذة الغائبة المنتظرة، إلا إذا تبين له فضل الآجل على العاجل، وقويت رغبته في الأعلى الأفضل، فإذا آثر الفاني الناقص كان ذلك إما لعدم تبين الفضل له، وإما لعدم رغبته في الأفضل، وكل واحد من الأمرين يدل على ضعف الإيمان، وضعف العقل والبصيرة، فإن الراغب في الدنيا، الحريص عليها، المؤثر لها إما أن يصدق بأن ما هناك أشرف وأفضل وأبقى، وإما أن لا يصدق، فإن لم يصدق بذلك كان عادمًا للإيمان رأسًا، وإن صدق بذلك ولم يؤثر كان فاسد العقل سيئ


(١) برقم (٤١٠٩) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (٢/ ٣٩٤) برقم (٣٣١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>