للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَطَعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا» (١).

وروى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ؟ ! فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ، مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» (٢).

قال شراح الحديث: أي كأنما تطعمهم الرماد الحار، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم، ولا شيء على هذا المحسن إليهم، ولكن ينالهم إثم عظيم لتقصيرهم بحقه، وإدخالهم الأذى عليه.

قال الشاعر:

وظُلْمُ ذَوِي القُرْبى أَشَدُّ مَضَاضَةً ... عَلَى المَرْءِ مِن وَقْع الحُسَام المُهَنَّد

وتحصل صلة الرحم بالإحسان إليهم بما يتيسر من أنواع الإحسان، قال ابن أبي جمرة: تكون صلة الرحم بالمال، والعون على الحاجة، وبدفع الضرر، وبطلاقة الوجه، وبالدعاء.

قال القرطبي: تجب مواصلتها - يعني الرحم - بالتواد والتناصح والعدل والإنصاف، والقيام بالحقوق الواجبة والمستحبة، والنفقة على القريب، وتفقد أحوالهم، والتغافل عن زلاتهم. والمعنى الجامع للصلة أنها إيصال ما أمكن من الخير إليهم، ودفع ما أمكن من الشر عنهم، بحسب الوسع والطاقة لكل شخص منهم بحسب منزلته وحاله، ومناسبة صلته، وتيسر ذلك. قال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَاّ وُسْعَهَا} [البقرة: ٢٨٦].


(١) برقم (٥٩٩١).
(٢) برقم (٢٥٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>