يسكنون مدينة الحجر التي بين واد القرى وبلاد الشام، ومساكنهم معروفة، وتسمى الآن مدائن صالح:{أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آَمِنِينَ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ * وَتَنْحِتُونَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ} إلى أن قال {فَأَخَذَهُمُ العَذَابُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ}[الشعراء: ١٤٦ - ١٥٩]، قال ابن كثير رحمه الله: يقول تعالى واعظًا لهم، ومحذرهم نقم الله أن تحل بهم، ومذكرًا بنعم الله عليهم فيما رزقهم من الأرزاق الدارة، وجعلهم في أمن من المحذورات، وأنبت لهم من الجنات، وفجر لهم من العيون الجاريات، وأخرج لهم من الزرع والثمرات، ولهذا قال:{وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ} قال: إذا رطب واسترخى، وتنحتون من الجبال بيوتًا فارهين، قال ابن عباس وغير واحد: حاذقين، وفي رواية عنه: شرهين أشرين، وهو اختيار مجاهد وجماعة، ولا منافاة بينهم، فإنهم كانوا يتخذون تلك البيوت المنحوتة في الجبال أشرًا وبطرًا وعبثًا من غير حاجة إلى سكناها، وكانوا حاذقين متقنين لنحتها ونقشها، كما هو المشاهد من حالهم لمن رأى منازلهم. اهـ (١).
الشاهد أنهم كانوا يعيشون حياة الترف، فكذبوا رسولهم، فكان عاقبتهم الهلاك في الدنيا والآخرة.
ولقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المترفين في الدنيا ينسون ما كانوا فيه من النعيم في الآخرة، روى مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ! وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ