للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في قصة الإفك عند قبول توبة كعب بن مالك بشره النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بذلك، قال: يا رسول اللَّه إن اللَّه إنما أنجاني بالصدق وإن من توبتي أن لا أحدِّث إلا صدقًا ما بقيت، قال: فواللَّه ما علمت أن أحدًا من المسلمين أبلاه اللَّه في صدق الحديث منذ ذكرت ذلك لرسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى يومي هذا، أحسن مما أبلاني اللَّه به، واللَّه! ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني اللَّه فيما بقي (١)، وأنزل اللَّه قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين (١١٩)} [التوبة].

وقد استثنى العلماء رحمهم اللَّه: الكذب إذا كان لإصلاح بين متخاصمين، والكذب في الحرب، والكذب إذا كان لدفع الظلم؛ فإذا اختفى مسلم من ظالم يريد قتله أو أخذ ماله وأخفى ماله وسئل إنسان عنه، وجب الكذب بإخفائه، وكذا لو كان عنده وديعة وأراد ظالم أخذها فإنه يكذب لإخفائها، والأحوط أن يُوري ومعنى التورية: أن يقصد بعبارته مقصودًا صحيحًا ليس هو كاذبًا بالنسبة إليه، وإن كان كاذبًا في ظاهر اللفظ وبالنسبة إلى ما يفهمه المخاطب؛ وقد استدل العلماء على جواز الكذب في هذا الحال: بما رواه البخاري ومسلم من حديث أم كلثوم رضي الله عنها: أنها سمعت النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول: «لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا». زاد مسلم: قال ابن شهاب رحمه الله: «ولم أسمع يُرخَّص في شيء مما يقولُ الناسُ كَذِبٌ إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته،


(١) ص: ١١١١ برقم ٢٧٦٩، وصحيح البخاري ص: ٦٨١ برقم ٣٥٥٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>