للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى -: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ}: هذه الآية الكريمة فيها من التخويف البليغ على أن العبد لا ينبغي له أن يكون آمنًا على ما معه من الإيمان، بل لا يزال خائفًا وجلاً أن يُبتلى ببلية تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيًا بقوله: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وأن يعمل ويسعى في كل سبب يخلصه من الشر عند وقوع الفتن، فإن العبد ولو بلغت به الحال ما بلغت فليس على يقين من السلامة (١). اهـ.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: في قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ} دليل على أن للَّه مكرًا والمكر هو التوصل إلى الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، ومنه جاء في الحديث: «الحَربُ خُدعَةٌ» (٢)؛ فإن قيل: كيف يوصف اللَّه بالمكر مع أن ظاهره أنه مذموم؟ ! قيل: إن المكر في محله محمود يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه ولذلك لا يوصف اللَّه به على الإطلاق، فلا يجوز أن نقول: إن اللَّه ماكر، وإنما نذكر هذه الصفة في مقام تكون فيه مدحًا مثل قوله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ} [الأنفال: ٣٠].

ومثل قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُون (٥٠)} [النمل]. ومثل قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ} [الأعراف]. ولا تنفى عنه هذه الصفة على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام التي تكون مدحًا يوصف بها، وفي المقام التي لا تكون مدحًا لا يوصف بها، وكذلك لا يسمى اللَّه بها فلا يقال: إن


(١) تفسير ابن سعدي ص: ٢٧٦.
(٢) صحيح البخاري ص: ٥٧٩ برقم ٣٠٣٠، وصحيح مسلم ص: ٧٢٣ برقم ١٧٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>