وقد ذكر اللَّه في كتابه عن الرسل السابقين: أنهم كانوا ينصحون لأقوامهم، فذكر اللَّه عن نبي اللَّه نوح عليه السَّلام أنه قال لقومه:{أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ}[الأعراف: ٦٢].
وقال تعالى عن نبي اللَّه هود: {أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِين (٦٨)} [الأعراف].
ونبينا محمد بن عبد اللَّه إمام الناصحين: بلَّغ الرسالة ونصح الأمَّة؛ فقد روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد اللَّه رضي اللهُ عنهما قال: إن رسول اللَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ - وذكر صفة حجه - وفيه أن النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال لأصحابه:«وَأَنْتُمْ تُسأَلُونَ عَنِّي، فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ » قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ (١).
وقد عذر اللَّه من تخلَّف عن الجهاد لعذر إذا كان ناصحًا للَّه ورسوله، قال تعالى: {لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيم (٩١)} [التوبة].
وكان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سرًّا، حتى قال بعضهم: من وعظ أخاه فيما بينه وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه على رؤوس الناس فإنما وبَّخه، والنصيحة سرًّا تشمل ولاة الأمر، والعلماء، وعامة الناس.
قال الشافعي رحمه الله:
تَعَمدني بنُصحِكَ في انفرادِي ... وَجَنِّبِني النَّصيِحَةَ في الجَماعَه