قيل لهم: أنتم شهدتم بما علمتم من أنه أهل العلم بالطب أو التقويم أو الخرص أو القيافة ونحو ذلك، وأن قوله في ذلك مقبول دون قولكم، فلو قدمنا قولكم عليه في هذه المسائل لكان ذلك قدحاً في شهادتكم وعلمكم بأنه أعلم منكم بهذه الأمور، وإخباركم بذلك لا ينافي قبول قوله دون أقوالكم في ذلك، إذ يمكن إصابتكم في قلوكم: هو أعلم منا، وخطؤكم في قولكم: نحن أعلم ممن هو أعلم منا فيما ينازعنا فيه من المسائل التي هو أعلم بها منا، بل خطؤكم في هذا أظهر.
والإنسان قد يعلم أن هذا أعلم منه بالصناعات كالحراثة والنساجة والبناء والخياطة وغير ذلك من الصناعات، وإن لم يكن عالماً بتفاصيل تلك الصناعة، فإذا تنازع هو وذلك الذي هو أعلم منه لم يكن تقديم قول الأعلم منه في موارد النزاع قدحاً فيما علم به أنه أعلم منه.
ومن المعلوم أن مباينة الرسول صلي الله عليه وسلم لذوي العقول أعظم من مباينة أهل العلم بالصناعات العلمية والعملية والعلوم العقلية الاجتهادية كالطب والقيافة والخرص والتقويم لسائر الناس، فإن من الناس من يمكنه أن يصير عالماً بتلك الصناعات العلمية والعملية كعلم أربابها بها، ولا يمكن من لم يجعله الله رسولاً إلي الناس أن يصير بمنزلة من جعله الله تعالي رسولاً إلي الناس، فإن