النبوة لا تنال بالاجتهاد، كما هو مذهب أهل الملل، وعلي قول من يجعلها مكتسبة من أهل الإلحاد من المتفسلفة وغيرهم فإنها عندهم أصعب الأمور، فالوصول إليها أصعب بكثير من الوصول إلي العلم بالصناعات والعلوم العقلية.
وإذا كان الأمر كذلك فإذا علم الإنسان بالعقل أن هذا رسول الله، وعلم أنه أخبر بشيء، ووجد في عقله ما ينازعه في خبره، كان عقله يوجب عليه أن يسلم موارد النزاع إلي من هو أعلم به منه، وأن لا يقدم رأيه علي قوله، ويعلم أن عقله قاصر بالنسبة إليه، وأنه أعلم بالله تعالي وأسمائه وصفاته واليوم الآخر منه، وأن التفاوت الذي بينهما في العلم بذلك أعظم من التفاوت الذي بين العامة وأهل العلم بالطب.
فإذا كان عقله يوجب أن ينقاد لطبيب يهودي فيما أخبره به من مقدرات من الأغذية والأشربة والأضمدة والمسهلات، واستعمالها علي وجه مخصوص، مع ما في ذلك من الكلفة والألم، لظنه أن هذا أعلم بهذا مني، وأني إذا صدقته كان ذلك أقرب إلي حصول الشفاء لي، مع علمه بان الطبيب يخطئ كثيراً، وأن كثيراً من الناس لا يشفي بما يصفه الطبيب، بل قد يكون استعماله لما يصفه سبباً في هلاكه، ومع هذا فهو يقبل قوله ويقلده، وإن كان ظنه واجتهاده يخالف وصفه، فكيف حال الخلق مع الرسل عليهم الصلاة والسلام؟!.