والرسل صادقون مصدوقون لا يجوز أن يكون خبرهم علي خلاف ما أخبروا به قط، والذين يعارضون أقوالهم بعقولهم عندهم من الجهل والضلال ما لا يحصيه إلا ذو الجلال، فكيف يجوز أن يعارض ما لم يخطئ قط بما لم يصب في معارضته له قط؟
فإن قيل: فالشهود إذا عدلوا شخصاً ثم عاد ذلك المعدل فكذبهم كان تصديقه في جرحهم جرحاً في طريق تعديله.
قيل: ليس هذا وزان مسألتنا، فإن المعدل إما أن يقول: هم فساق لا يجوز قبول شهادتهم، وإما أن يقول: هم في هذه الشهادة المعينة أخطأوا أو كذبوا، فإن جرحهم مطلقا كان نظير هذا أن يكون الشرع قد قدح في دلالة العقل مطلقا، وليس كذلك، فإن الأدلة الشرعية لا تقدح في جنس الأدلة العقلية.
وأما إذا قدح في شهادة معينة من شهادات مزكيه، وقال: إنهم أخطأوا فيها، فهذا لا يعارض تزكيتهم له باتفاق العقلاء فإن المزكي لشاهد ليس من شرطه أن لا يغلط، ولا يلزم من خطئه في شهادة معينة خطؤه في تعديل من عدله، وفي غير ذلك من الشهادات.
وإذا قال المعدل المزكي في بعض شهادات معدله ومزكيه: قد أخطأ فيها، لم يضره هذا باتفاق العقلاء، بل الشاهد العدل قد ترد شهادته لكونه خصماً