للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعلوم أن سلامة الشرع للإنسان، خير له من أن يبطل عليه العقل والشرع جميعا.

وذلك لأن القائل الذي قال: العقل أصل الشرع، بل علمت صحته، فلولا قدمنا عليه الشرع للزم القدم في أصل الشرع.

يقال له: ليس المراد بكونه أصلاً له: إنه أصل في ثبوته في نفس الأمر، بل هو أصل في علمنا به، لكونه دليلاً لنا على صحة الشرع.

ومعلوم أن الدليل مستلزم لصحة المدلول عليه، فإذا قدر بطلان المدلول عليه لزم بطلان الدليل، فإذا قدر عند التعارض أن يكون العقل راجحاً والشرع مرجوحاً، بحيث لا يكون خبره مطابقاً لمخبره، لزم أن يكون الشرع باطلاً، فيكون العقل الذي دل عليه باطلاً، لأن الدليل مستلزم للمدلول عليه، فإذا انتفى المدلول اللازم وجب انتفاء الدليل الملزوم قطعاً.

ولهذا يمتنع أن يقوم دليل صحيح على باطل، بل حيث كان المدلول باطلاً لم يكن الدليل عليه إلا باطلا.

أما إذا قدم الشرع، كان المقدم له قد ظفر بالشرع، ولو قدر مع ذلك بطلان الدليل العقلي، لكان غايته أن يكون الإنسان قد صدق بالشرع بلا دليل عقلي، وهذا مما ينتفع به الإنسان، بخلاف من لم يبق عنده لا عقل ولا شرع، فإن هذا قد خسر الدنيا والآخرة.

فكيف والشرع يمتنع أن يناقض العقل المستلزم لصحته؟ وإنما يناقض شيئاً آخر ليس هو دليل صحته بل، ولا يكون صحيحا في نفس الأمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>