وغناه عنه موقوف على أنه ليس بجسم، وكونه ليس بجسم موقوف على نفي صفاته وأفعاله، لأن الموصوف بالصفات والأفعال جسم، ونفي ذلك موقوف على ما دل عليه حدوث الجسم، فلو بطل الدال على حدوث الجسم بطل ما دل على صدق الرسول.
وأيضا فالدال على حدوث الجسم هو الدال على حدوث العالم وإثبات الصانع تعالى، فإذا بطل ذلك بطل الدليل الدال على إثبات الصانع، فصار العلم بإثبات الصانع وتصديق الرسول موقوفاً على نفي الصفات والأفعال، فإذا جاء في الشرع ما يدل على إثبات الصفات والأفعال، لم يمكن القول بموجبه، لأن ذلك ينافي دليل الصدق، بل يعلم من حيث الجملة أن الرسول لم يرد به إثبات الصفات والأفعال، إما لكذب الناقل عنه أو لعدم دلالة اللفظ عن الإثبات، أو لعدم قصده الإثبات.
ثم إما أن نقدر احتمالات يمكن حمل اللفظ عليها وإن لم يعين المراد، وإما أن نعرض عن هذا ونقول: لا نعلم المراد.
فهذا أصل قولهم، ومن وافقهم في نفي بعض الصفات أو الأفعال قال بما يناسب مطلوبه من هذا الكلام فحقيقة قولهم إنه لا يمكن التصديق بكل ما في الشرع، بل لا يمكن تصديق البعض إلا بعدم تصديق البعض الآخر.
وحينئذ فدليلهم العقلي ليس دالاً على صدق الرسول إلا على هذا الوجه، فلا يمكنهم قبول ما يناقضه من نصوص الكتاب والسنة.