فإذا كان الحق هو قول النفاة، ولم يتكلموا إلا بما يدل على نقيضه، كانوا - مع أنهم لم يهدوا الخلق ويعلموهم الحق عند النفاة، - قد لبسوا عليهم ودلسوا، بل أضلوهم وجهلوهم وأخرجوهم إلى الجهل المركب، وظلمات بعضها فوق بعض: إما من علم كانوا عليه وإما من جهل بسيط، أو حيروهم وشككوهم وجعلوهم مذبذين لا يعرفون الحق من الباطل، ولا الهدى من الضلال، إذ كانوا ما تكلموا به عارضوا به طرق العلم العقلية والكشفية.
فعند هؤلاء كلام الأنبياء وخطابهم في أشرف المعارف وأعظم العلوم يمرض ولا يشفي، ويضل ولا يهدي، ويضر ولا ينفع، ويفسد ولا يصلح، ولا يزكي النفوس ويعلمها الكتاب والحكمة، بل يدسي النفوس ويوقعها في الضلال والشبهة، بل يكون كلام من يسفسط تارة ويبين أخرى، كما يوجد ف كلام كثير من أهل الكلام والفلسفة، كابن الخطيب، وابن سينا، وابن عربي، وأمثالهم خيراً من كلام الله وكلام رسله، فلا يكون خير الكلام كلام الله، ولا أصدق الحديث حديثه، بل يكون بعض قرآن مسيلمة الكذاب، الذي ليس فيه كذب في نفسه، وإن كانت نسبته إلى الله كذب، ولكنه مما لا يفيد كقوله: الفيل وما أدراك ما الفيل، له زلوم طويل، إن ذلك من خلق ربنا