أرباب الطرق المتشعبة فلم يظفروا بالمطلوب، ولا نالوا المحبوب، بل هلكوا هلاك الخاسر الحائر.
وآخرون اختصموا فيما بينهم فصار هؤلاء يقولون: الصواب فيما ذكره الأدلاء، ونطق به هؤلاء الخبراء، وآخرون يقولون: بل الصواب مع هؤلاء الذين يقولون: إنهم أخبر وأحذق، وكلامهم في الدلالة أبين وأصدق، وآخرون حاروا مع من الصواب، ووقفوا موقف الارتياب، فاقتتل هؤلاء وهؤلاء، وخذل الواقفون الحائرون لهؤلاء وهؤلاء، ولكن فاتت باختلاف أولئك مصالح دينهم ودنياهم، فهلك الحجيج وكثر الضجيج، وعظم النشيج، واضطربت السيوف، وعظمت الحتوف، وتزاحف الصفوف، وحصل من الفتنة والشر والفساد، ما لا يحصيه إلا رب العباد.
فهل من فعل هذا بالحجيج يكون قد هداهم السبيل، وأرشدهم إلى اتباع الدليل؟ أم يكون مفسداً عليهم دينهم ودنياهم، فاعلاً بهم ما لا يفعله إلا أشد عداهم؟ وإذا قال: إنما قصدت بذلك أن يجتهد الحجاج في أن يعرفوا الطريق بعقولهم وكشوفهم، ولا يستدلوا بكلام الأدلاء الذين أرسلتهم لتعريفهم، لينالوا بذلك أجر المجالدين، وتنبعث هممهم إلى طريق المجالدين-هل يصدقه في ذلك عاقل؟ أو يقبل عذره من عنده حاصل؟ .
فهذا مثال ما يقوله النفاة في رسل الله، الذين أرسلهم الله تعالى إلى الخلق ليعلموهم ويهدوهم سبيل الله، ويدعوهم إليه كما قال تعالى: