للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤديهم إلى معرفة الحق، من غير أن ينصب الرسول لهم على الحق دلالة، ولا يبينه لهم بخطابه أصلاً، فمثال ذلك عندهم مثل من أرسل مع الحجاج أدلة يدلونها على طريق مكة، وأوصى الأدلاء بأن يخاطبوهم بخطاب يدلهم على غير طريق مكة، ليكون ذلك الخطاب سبباً لنظرهم واستدلالهم حتى يعرفوا طريق مكة بنظرهم، لا بأولئك الأدلاء، وحينئذ يردون ما فهم من كلام الأدلاء، ويجتهدون في نفي دلالته، وإبطال مفهومه ومقتضاه.

وإذا كان لأمر كذلك، فمن المعلوم أن خلقاً كثيراً لا يتبعون إلا الأدلاء الذين يدعون انهم أعلم بالطريق منهم، وأن ولاة الأمور قد قلدوهم دلالة الحاج، أو تعريفهم الطريق، وإن درك ذلك عليهم فيتبعون الأدلاء.

والطائفة التي ظنت أن الأدلاء لم يقصدوا بكلامهم الدلالة والإفهام والإرشاد إلى سبيل الرشاد، صار كل منهم يستدل بنظره واجتهاده، فاختلفوا في الطرق وتشتتوا فمنهم من سلك طرقاً أخرى غير طريق مكة، فأفضت بهم إلى أودية مهلكة، ومفاوز متلفة، وأرض متشعبة -فأهلكتهم.

وطائفة أخرى شكوا وحاروا، فلا مع الأدلاء سلكوا فأدركوا المقصود، ولا لطرق المخالفين للأدلاء ركبوا وسلكوا، بل وقفوا مواقف التائهين الحائرين، حتى هلكوا أيضاً في أمكنتهم جوعاً وعطشاً، كما هلك

<<  <  ج: ص:  >  >>