أحدها: أنه إذا جاز أن يكون في الفطرة حكمان بديهيان، أحدهما مقبول والآخر مردود، كان هذا قدحاً في مبادئ العلوم كلها، وحينئذ لا يوثق بحكم البديهية.
الثاني: أنه إذا جوز ذلك، فالتمييز بين النوعين: إما أن يكون بقضايا بديهية، أو نظرية مبنية على البديهية، وكلاهما باطل، فإنا إذا جوزنا أن يكون في البديهيات ما هو باطل، لم يمكن العلم بأن تلك البديهية المميزة بين ما هو صحيح من البديهيات الأولى، وما هو كاذب مقبول التمييز، حتى يعلم أنها من القسم الصحيح، وذلك لا يعلم إلا ببديهية أخرى مبينة مميزة، وتلك لا يعلم أنها من البديهيات الصحيحة إلا بأخرى فيفضي إلى التسلسل الباطل، أو ينتهي الأمر إلى بديهية مشتبهة لا يحصل بها التمييز، فلا يبقى طريق يعلم به الحق من الباطل، وذلك يقدح في التمييز، والنظريات موقوفة على البديهيات، فإذا جاز أن تكون البديهيات مشتبهة: فيها حق وباطل، كانت النظريات المبنية عليها أولى بذلك، وحينئذ فلا يبقى علم يعرف به حق وباطل، وهذا جامع كل سفسطة.
وبتقدير ثبوت السفسطة، لا تكون لنا عقليات يثبت بها شيء فضلاً عن أن تعارض الشرعيات.