الحكم، وإذا لم يثبت هذا إلا بعد هذا، ولا هذا بعد هذا، كان هذا من الدور الممتنع.
السادس: أن يقال: إن أردتم بالعقليات ما يقوم القلب من العلوم العقلية الكلية ونحوها، فليس الكلام هنا في هذه، ونحن لا نقبل مجرد حكم الحس ولا الخيال في مثل هذه العلوم الكلية العقلية، موجودات خارجة لا يمكن الإشارة الحسية إليها، فلم قلتم: إن هذا موجود، فالنزاع في هذا، ونحن نقول: إن بطلان هذا معلوم بالبديهية.
السابع: أن يقال: الوهم والخيال يراد به ما كان مطابقاً وما كان مخالفاً، فأما المطابق، مثل توهم الإنسان لمن هو عدوه أنه عدوه، وتوهم الشاة أن الذئب يريد أكلها، وتخيل الإنسان لصورة ما رآه في نفسه بعد مغيبه، ونحو ذلك، فهذا الوهم والخيال حق، وقضاياه صادقة، وأما غير المطابق: فمثل أن يتخيل الإنسان أن في الخارج ما لا وجود له في الخارج، وتوهمه ذلك مثل من يتوهم فيمن يحبه أنه يبغضه، ومثل ما يتوهم الإنسان أن الناس يحبونه ويعظمونه، والأمر بالعكس، والله لا يحب كل مختال فخور، فالمختال الذي يتخيل في نفسه أنه عظيم، فيعتقد في نفسه أكثر مما يستحقه، وأمثال ذلك.
قالوا: وإذا كان الأمر كذلك، فلم قلتم: إن حكم الفطرة بأن الموجودين إما متباينان وإما متحايثان من حكم الوهم والخيال الباطل، ونحن نقول: إنه من حكم الوهم والخيال المطابق.