وهذا منتهى ما عند ابن سينا وأمثاله من الفلاسفة، ولهذا كان كمال الإنسان عندهم أن يصير عالماً معقولاً موازياً للعالم الموجود، ويجعلون النعيم والعذاب أمرين قائمين بالنفس، من جملة أعراضها لا ينفصل شيء من ذلك عنها، وقد بينا بعض ما في هذا القول من الضلال في غير هذا الموضع.
ولهذا جعل في منطقه العلوم اليقينية العقلية هي هذه العقليات، ونفى أن تكون المشهورات العملية من اليقينيات، ونفى أن يكون ما يثبت الموجودات الحسية الغائبة من اليقينيات، وسمى هذه وهميات، فبإنكاره هذا أنكر الموجودات الغائبة عن إحساس أكثر الناس في هذه الدنيا، فلم يصدق بالموجودات الغائبة، ولا بكثير مما يشاهد في هذا العالم من الملائكة والجن وغير ذلك، وبإنكاره المشهورات أن تكون يقينية أنكر موجب القوة العملية في النفس التي بها تستحسن ما ينفعها من الأعمال، وتستقبح ما يضرها، فأخرج الأعمال التي لا تكمل النفس إلا بها من أن تكون يقينية، كما أخرجها من أن تكون من الكمال، ولم يجعل كمال النفس إلا مجرد علم مجرد، لا حب معه لله تعالى في الحقيقة، وإنما الأعمال عندهم لأجل إعداد النفس لنيل ما يظنونه كمالاً من العلم.
وهذا العلم الذي يدعونه غالبه جهل، وما فيه من العلم فليس علماً