بموجودات معينة، وإنما هو علم أمور مطلقة في الذهن لا وجود لها في الخارج، فلم يحصل له من الكمالات العلمية والعملية ما يوجب سعادتهم في الآخرة، ولا نجاتهم من النار، وكان كثير من اليهود والنصارى أقرب إلى السعادة والنجاة منهم، كما قد بسط في موضعه.
والمقصود هنا أن الناس متفقون على أن حكم الذهن بأنه ما من موجود قائم بنفسه وإلا يمكن الإشارة إليه، وأنه يمتنع وجود موجودين ليس أحدهما مبايناً للآخر ولا محايثاً له، بل إن صانع العالم فوق العالم - ليس مما تواطأ عليه الناس وقبله بعضهم عن بعض، كقول النفاة: إنه يمكن وجود موجود لا داخل العالم ولا خارجه، بل ذلك مما أقر به الناس بفطرتهم، وعرفوا ببدائه عقولهم، وضروات قلوبهم.
والقادحون فيما يسلمون ذلك، ويدعون أن فطر الناس أخطأت في هذا الحكم، وأنه من حكم الوهم والخيال الباطل.
فإذا كانوا معترفين بأن هذا مما أقروا به بلا مواطأة، لم يمكن أن يقال: إنهم كذبوا على فطرتهم، لأن هؤلاء القائلين بذلك أضعاف أضعاف أضعاف أهل التواتر، بل هم جماهير بني آدم، فإذا قالوا: إن هذا أمر نجده في قلوبنا وفطرتنا، وجب تصديقهم في ذلك.
وحينئذ فلا يجوز إبطال هذه القضايا البديهية بقضايا نظرية،