الذين هم محققو أهل الحلول والاتحاد، ولهذا كان هؤلاء لهم الظهور والاستطالة على نفاة الحلول والمباينة جميعاً، بل هؤلاء يخضعون لأولئك ويعتقدون فيهم ولاية الله، وينصرونهم على أهل الإيمان القائلين بمباينة الخالق للمخلوق، كما قد رأيناه وجربناه.
وسبب ذلك أن قول هؤلاء الحلولية والاتحادية مسقف بالتأله والتعبد، والتصوف والأخلاق، ودعوى المكاشفات والمخاطبات، ونحو ذلك مما لا يكاد يفهمه أكثر النفاة، فإذا كانوا لا يفهمون حقيقة قولهم سلموا إليهم ما يقولونه، وظنوا أن هذا من جنس كلام أكابر أولياء الله، الذين أطلعهم الله من الحقائق على ما يقصر عنه عقول أكثر الخلائق، وسلموا لهم ما لا يفهمونه من أقوالهم، كما يسلمون للنبي صلى الله عليه وسلم ما لا يفهمونه من أقواله، فيعظمون هؤلاء كما يعظمون الرسول، بمثابة من صدق محمداً رسول الله ومسيلمة الكذاب: صدق كلا منهما في أنه رسول، كحال أهل الردة الذين آمنوا بمسيلمة المتنبي، مع دعواهم أنهم مؤمنون بمحمد رسول الله، ولا يعرفون ما بين قول هذا وقول هذا من المناقضة والمنافاة، لعدم تحققهم في الإيمان بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهكذا نفاة العلو والصفات من الجهمية، أو نفاة العلو وحده، إذا سمعوا النصوص الإلهية المثبتة للعلو والصفات، أعرضوا عن فهم