للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

معناها، وإثبات موجبها ومقتضاها، وآمنوا بألفاظ لا يعرفون مغزاها، وآمنوا للرسول إيماناً مجملاً بأنه لا يقول إلا حقاً، ولم يكن في قلوبهم من العلم بمباينة الله لخلقه وعلوه عليهم ما ينفون به بدعة الحلولية والاتحادية وأمثالهم، لأن أحد المتقابلين إنما يرتفع عن القلب بإثبات مقابله، وأحد النقيضين لا يزول عن القلب زوالاً مستقراً إلا بإثبات نقيضه.

فإذا كان حقيقة الأمر أن الرب تعالى، إما مباين للعالم، وإما مداخل له، كان من لم يثبت المباينة لم يكن عنده ما ينافي المداخلة، بل إما أن يقر بالمداخلة، وإما أن يبقى خالياً من اعتقاد المتقابلين المتناقضين، ولا يمكنه مع عدم اعتقاد نقيض قول أن يعتقد فساده، ولا ينكره ولا يرده، بل يبقى بمنزلة من سمع أن محمداً قال: إنه رسول الله، وأن مسيلمة قال: إنه رسول الله، وهو لم يصدق واحداً منهما، ولم يكذب واحداً منهما، فمثل هذا يمتنع أن يرد على مسيلمة أو يكذبه.

فهكذا من كان لم يقر بأن الخالق تعالى مباين للمخلوق، لم يمكنه أن يناقض قول من يقول بالحلول والاتحاد، بل غايته أن لا يوافقه كما لم يوافق قول أهل الإثبات، فهو لم يؤمن بما قاله محمد رسول الله والمؤمنون به، ولا بما قاله مخالفوه الدجالون الكذابون، من أهل الحلول والاتحاد وغيرهم من نفاة العلو.

<<  <  ج: ص:  >  >>