ومقدمات ذلك مستلزمه له، لا يتوقف العلم بصحة السمع على شيء من ذلك، فإن نعلم بالاضطرار بعد تأمل أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه التابعين لهم بإحسان، أن الذين أمنوا بالرسول وجزموا بصدقه - وهم باتفاق المسلمون أعلم الأمة بصدقه، والصدق ما أخبر به، وصحة ذلك - لم يكونوا في إيمانهم وعلمهم بصدقه، يستدلون بشيء من هذه المقدمات على صحة ذلك، ولو مناظرين به أحداً، ولا يقيمون بها حجة على غيرهم فضلاً عن أن يكونوا هم لم يعلموا صدقه إلا بعد العلم بهذه المقدمات المستلزمة لوجود موجود لا يشار إليه، وأن صانع العلم ليس بداخل العلم ولا خارجه، ولا فوق العالم رب ولا على العرش إله.
ومما يوضح ذلك أن نعلم بالعادة المطردة أن القضايا التي بها علموا أنه رسول الله الصادق فيما يخبر به الله، لو كانت مستلزمة لقول نفاة العلو، وأن الله ليس مبايناً للعالم ولا هو فوق السماوات، ولا يمكن الإشارة إليه، ولا عرج أحد من الملائكة ولا محمد، إليه نفسه، ولا نزل من عنده نفسه شيء: لا ملك ولا غيره - لكانت هذه اللوازم تحصل في نفوسهم، كما حصلت على أنفس غيرهم، ولا سيما مع كثرة الخلق، وانتشار الإسلام، ودخول الناس في دين الله أفواجا، ولو كانت هذه القضايا مستقرة في أنفسهم، لامتنع فيه العادة أن يتكلموا بها، فضلاً عن أن يتكلموا بنقيضها، ولو وجب في العادة أن يعارضوا بها ما دل عليه ظاهر السمع، لكانوا يسألونه ويقولون: ما دلت