الرسول تعلق الكفر والإيمان بما جاء به، لا بمجرد ما يعلم بالعقل، فكيف يجوز أن يكون الكفر معلقاً بأمور لا تعلم إلا بالعقل؟ إلا أن يدل الشرع على أن تلك الأمور التي لا تعلم إلا بالعقل كفر، فيكون حكم الشرع مقبولاً.
لكن معلوم أن هذا لا يوجد في الشرع، بل الموجود في الشرع تعليق الكفر بما يتعلق به الإيمان، وكلاهما متعلق بالكتاب والرسالة، فلا إيمان مع تكذيب الرسول ومعاداته، ولا كفر مع تصديقه وطاعته.
ومن تدبر هذا رأى أهل البدع من النفاة يعتمدون على مثل هذا، فيبتدعون بدعاً بآرائهم ليس فيها كتاب ولا سنة، ثم يكفرون من خالفهم فيما ابتدعوه، وهذا حال من كفر الناس بما أثبتوه من الأسماء والصفات التي يسميهما هو تركيباً وتجسيماً وإثبات لحلول الصفات والأعراض به، ونحو ذلك من الأقوال التي ابتدعتها الجهمية والمعتزلة، ثم كفروا من خالفهم فيها.
والخوارج الذين تأولوا آيات من القرآن وكفروا من خالفهم فيها أحسن حالاً من هؤلاء، فإن أولئك علقوا الكفر بالكتاب والسنة، لكن غلطوا في فهم النصوص، وهؤلاء علقوا الكفر بكلام ماأنزل الله به من سلطان.
ولهذا كان ذم السلف للجهمية من أعظم الذم، حتى قال عبد الله بن المبارك: إنا لنكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية.