وقد يكون عالماً به، ومع هذا ينظر في دليل آخر، لتعلقه بذلك الدليل، فتوارد الأدلة على المدلول الواحد كثير، لكن هؤلاء لزمهم المحذور، لأنهم إنما أوجبوا عليه النظر، فإذا أوجبوه لزم انتفاء العلم بالمدلول، فيكون الناظر طالباً للعلم، فيلزم أن يكون شاكاً، فصاروا يوجبون على كل مسلم: أنه لا يتم إيمانه حتى يحصل له الشك في الله ورسوله بعد بلوغه، سواء أوجبوه، أو قالوا: هو من لوازم الواجب.
ومن غلطهم أيضاً.
أنه لو قدر أن المعرفة لا تحصل إلا بالنظر، فليس من شرط ذلك تأخر النظر إلى البلوغ، بل النظر قبل ذلك ممكن، بل واقع، فتكون المعرفة قد حصلت بذلك النظر، وإن لم يكن واجباً كما لوتعلم الصبي أم الكتاب وصفة الصلاة قبل البلوغ، فإن هذا التعلم يحصل به مقصود الوجوب بعد البلوغ، والنظر إنما هو واجب وجوب الوسائل، فحصوله قبل وقت وجوبه أبلغ في حصول المقصود.
ونظير ذلك: إن يتوضأ الصبي قبل البلوغ، والبالغ قبل دخول وقت الصلاة، فيحصل بذلك مقصود الوجوب بعد البلوغ والوقت.
والكلام في هذه المسألة له شعب كثيرة، وقد تكلم عليها في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا بيان طرق كثير من أهل العلم في تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم.