فأما معرفة افتقار هذا العالم إلى صانع قادر على إرسال الرسل، فهو متقدم على قول الرسول، فكيف يكون مستفاداً من قول الرسول؟ فمعرفة المرسل إذاً تقدم على معرفة الرسول ومعرفة صدقه، فكيف يعرف بقول الرسول؟ قال: وأما مثال ما يدرك بالعقل والسمع جميعاً، فهو كرؤية الله تعالى، وكونه خالقاً لأعمال العباد فهذا مما يعلم بمجرد السمع وبمجرد العقل.
ثم قال:(وأما حجتنا في حصول المعرفة بمجرد العقل فقوله تعالى: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت} ، وقال في موضع آخر {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} ، وقال تعالى:{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} ، فهذا كله دعوة إلى الدلائل العقلية، وهو التأمل في الآيات الدالة على حدوث العالم، وقدم الصانع، من غير شرط، على ما نبنيه من بعد) .
قال:(ولأنه بالعقل يستدل بالشاهد على الغائب، وبالبناء على الباني، وبالكتابة على الكتاب، من غير سماع خطاب) .