المصنفين والمعلمين الأدلة العقلية التي تبين لهم الحق، فاستفادتهم ذلك من كلام الله أكمل وأفضل.
فتلك الأدلة عقلية باعتبار أن العقل يعلم صحتها إذا نبه عليها، وهي شرعية باعتبار أن الشرع دل عليها وهدى إليها.
فعلى هذا التقدير تكون الدلائل حينئذ شرعية عقلية.
وعلى هذا فقد يقال: الأدلة الشرعية نوعان: عقلي وسمعي.
فالعقلي ما دل الشرع عليه من المعقولات، والسمعي ما دل بمجرد الإخبار.
وقد ذكرنا في غير هذا الموضع أن أئمة النظار معترفون باشتمال القرآن على الدلائل العقلية.
وأما على اصطلاح أولئك، فكثيراً ما يعنون بالدليل الشرعي الدليل السمعي الخبري، وهو مجرد خبر الشارع الصادق، فعلى اصطلاحهم ينازعهم الناس في تلك المقدمات العقلية، التي زعموا أن المعرفة لا تحصل إلا بها.
فأما المقدمة الأولى، وهي قولهم: إن المعرفة لا تحصل مبتدأة في النفس، بل لا بد لها من طريق، فهي من موارد النزاع.
فإذا قيل لهم: إنها قد تحصل في النفس مبتدأة، لم يكن لها على نفي ذلك دليل إلا مجرد الاستقراء، الذي هو: إما فاسد، وإما ناقص.
وقولهم: إن نفوس العقلاء تتشوف إلى الاستدلال.
يقول لهم المنازعون: لا نسلم أن جميع العقلاء كذلك، بل جمهور العقلاء