مطمئنون إلى الإقرار بالله تعالى، وهم مفطورون على ذلك.
ولهذا إذا ذكر لأحدهم اسمه تعالى، وجد نفسه ذاكرةً له مقبلة عليه، كما إذا ذكر له ما هو عنده من المخلوقات.
والمتجاهل الذي يقول: إنه لا يعرفه، هو عند الناس أعظم تجاهلاً ممن يقول: إنه لا يعرف ما تواتر خبره من الأنبياء والملوك، والمدائن والوقائع، وذلك عندهم أعظم سفسطة من غيره من أنواع السفسطة.
ولهذا من تتبع مقالات الناس المخالفة للحس والعقل، وجد المسفسطين فيها أعظم بكثير من المسفسطين المنكرين للصانع.
فعلم أن معرفته في الفطرة أثبت وأقوى، إذ كان وجود العبد ملزوم وجوده، وحاجته معلقة به سبحانه وتعالى، بل كل ما يخطر بقلب العبد ويريده فهو ملزوم له، وخواطر العباد وإرادتهم لا نهاية لها.
وانتقال الذهن من الملزوم إلى اللازم لا ينحصر، بل إقرار القلوب به قد لا يحتاج إلى وسط وطريق، بل القلوب مفطورة على الإقرار به أعظم من كونها مفطورة على الإقرار بغيره من الموجودات.
وأشهر من عرف تجاهله وتظاهره بإنكار الصانع فرعون، وقد كان مستيقناً في الباطن، كما قال له موسى:{لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السماوات والأرض بصائر} .