وأما قولهم: لا يجوز أن تكون معرفتنا به واقعة بالخبر، لأن الخبر إنما يفضي إلى المعرفة، إذا أخبر به خلق كثير عن مشاهدة، وليس أحد يخبر بالله عن مشاهدة.
فهذا مما ينازعهم فيه المنازعون، ويقولون: ليس من شرط أهل التواتر أن يخبروا عن مشاهدة، بل إذا أخبروا عن علم ضروري، حصل العلم بمخبر أخبارهم، وإن لم يكن المخبر مشاهداً.
والمعرفة بالله قد تقع ضرورة، وإذا كان كذلك أمكن المعرفة بتصديق أخبار المخبرين عن المعرفة الحاصلة ضرورة، إلى ترى أن ما يخبر به الناس عن أنفسهم من لذة الجماع، وكثير من المطاعم والمشارب، بل ولذه العلم والعبادة والرئاسة، وحال السكر والعشق، وغير ذلك من الأمور الباطنة، تحصل المعرفة بوجودها بالتواتر لمن لم يجدها من نفسه، ولا عرفها بالضرورة في باطنه؟ وليست أمراً مشاهداً، بل إطباق الناس على وصف رجل بالعلم أو العدل أو الشجاعة أو الكرم أو المكر أو الدهاء، أو غير ذلك من الأمور النفسانية التي لا تعلم بمجرد المشاهدة يوجب العلم بذلك لمن تواترت هذه الأخبار عنده، وإن لم يكن المخبرون أخبروا عن مشاهدة، وكذلك الإخبار عن ظلم الظالمين.