ولهذا كانت العداله والفسق تثبت بالاستفاضة، ويشهد بها بذلك، كما يشهد المسلمون كلهم أن عمر بن عبد العزيز كان عادلاً، وأن الحجاج كان ظالماً.
والعدل والظلم ليس أمراً مشاهداً بالظاهر، فإن الإنسان أكثر ما يشاهد الأفعال كما يسمع الأقوال، فإذا رأى رجلاً يعطى ويقتل، شاهد الفعل، أما كونه قتل بحق أو بغير حق، أو أعطى عدلاً وإحساناً، أو غير عدل وأحسان، فهذا لا يعلم بمجرد المشاهدة، بل لابد من دخول العقل في هذا العلم.
وكذلك من لا يعرف الطب والنحو: إذا رأى ما تواتر عند أهل الطب والنحاة من علم أبقراط وجالينوس وأمثالهما، والخليل وسيبويه، علم أن هؤلاء علماء بالطب والنحو، وإن لم يعرف هو الطب والنحو وليست معرفة المخبرين بذلك عن المشاهدة.
بل وكذلك إذا تواتر عنده كلام الناس بالإخبار عن علم مالك والشافعي وأحمد ويحيى بن معين والبخاري ومسلم وأمثالهم بالفقه والحديث، علم علمهم بذلك، وإن كان المخبرون لم يخبروا عن مشاهدة لكن من رآى كلام هؤلاء، من أهل الخبرة بالفقه والحديث، علم بالضرورة أنهم علماء بذلك، ثم هؤلاء يخبرون بذلك غيرهم.