وكذلك القضايا الحسابية، كالعلم بالمضروبات والمنسوبات والمجموعات ونحو ذلك، هو ضروري لمن علمه، فإذا أخبر أهل تواتر بذلك لواحد حصل له العلم بذلك، وإن كانوا إنما أخبروا عن علم ضروري.
وهكذا العلم بصدق الصادق وكذب الكاذب، يعلمه من باشره وجربه ضرورة، ويعلمه من تواتر ذلك عنده بطريق الخبر.
ولهذا كان العلم بأن محمداً صلى الله عليه وسلم، كان صادقاً معروفاً بالصدق لا يكذب متواتراً عند من لم يباشره، لأن الذين جربوه من أعدائه وغيرهم كانوا متفقين على أنه صادق أمين، حتى أن هرقل لما سأل أبا سفيان - وكان حين سأله من أشد الناس عداوة لرسول الله صلى الله عليه وسلم -: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال أبو سفيان: لا.
فأخبر أنه - هو وغيره من قريش - لم يكونوا يتهمونه بالكذب، فضلاً عن أن يخبروا عنه بالكذب، وكانوا يسمونه الأمين.
ولما كان أبو سفيان مخبراً بهذا بين جماعة من قومه يقرونه على ذلك، مع قيام المقتضى للتكذيب لو كان قد كذب، استفاد هرقل بهذا أنه لا يكذب.
فقال: قد علمت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله.
وهذا وأمثاله باب واسع، فالعلم بمخبر الأخبار يحصل إذا كان المخبر عالماً بالضرورة، سواء كان المخبر مشاهداً أو لم يكن.