وأما طريقة الإلهام، فالإلهام الذي يدعى في هذا الباب، هو عند أهله علم ضروري، لا يمكنهم دفعه عن أنفسهم، أو مستند إلى أدلة خفية لا تقبل النقض، فلا يمكن أن يكون باطلاً.
وأما الاستدلال على الأحكام بالإلهام، فتلك مسألة أخرى، ليس هذا موضعها، والكلام في ذلك متصل بالكلام على الاستحسان والرأي وأنواعهما، وأن ما يعنيه هذا بالاستحسان، قد يعنيه هذا بالإلهام.
وليس الكلام فيما علم فساده من الإلهام لمخالفته دليل الحس والعقل والشرع، فإن هذا باطل، بل الكلام فيما يوافق هذه الأدلة لا يخالفها.
وليس من الممتنع وجود العلم بثبوت الصانع وصدق رسوله إلهاماً، فدعوى المدعي امتناع ذلك يفتقر إلى دليل.
فطرق المعارف متنوعة في نفسها، والمعرفة بالله أعظم المعارف، وطرفها أوسع وأعظم من غيرها، فمن حصرها في طريق معين بغير دليل يوجب نفياً عاماً لما سوى تلك الطريق لم يقبل منه، فإن النافي عليه الدليل، كما أن المثبت عليه الدليل.
نعم، من نفى تلك بحسب علمه، لم ينازع في ذلك.
فإذ قال: لا أعلم طريقاً آخر، أو لم يحصل لي ولمن عرفته طريق آخر، كان نافياً لعلمه ولما علم وجوده، لا نافياً للأمور المحققة في نفس الأمر.