وفي الجملة، فإن كان طريقكم مذموماً فالذم الذي يلحقه به أقل مما يلحقكم به، وإن كان صحيحاً فهو قد سلكه في آخر الدليل، لكنه لم يجعل نفس إثبات الصانع تعالى مفتقراً إلى إثبات حدوث الأجسام، لعلمه بأن الأمر ليس كذلك، وبأن هذا مخالفة لدين المسلمين، وسائر أهل الملل، فكان في موافقتكم على سلوك هذه الطريق ابتداء مخالفة للشرع والعقل.
وأما كون من أقر بالشيء المحدث المخلوق أقر بالخالق، ومن اعترف بالمفعول اعترف بالفاعل، كما ذكره هذا المعتزلي، فالأمر كذلك.
ولهذا لم يتعرض الأشعري للدليل على ذلك، بل جعل كون المحدث دالاً على المحدث أمراً مستقراً معلوماً بالفطرة، إذ النزاع في ذلك أقبح من نزاع السوفسطائية.
وأما القاضي أبو بكر فأراد أن يجيب عن الأشعري بوجه آخر، فزعم أن افتقار المحدث إلى المحدث أمر نظري لا ضروري، وأن الأشعري أثبت ذلك، وذكر أن إثباته لذلك من جهة تتضمن الفعل للفاعل، كتضمن الفاعل للفعل.
ومن المعلوم أن كلام الأشعري ليس فيه شيء من هذا، ولا يحتاج كلامه إلى هذا، وإما نشأ الغلط من ظن القاضي أبي بكر أن العلم