فأخذ ابن سينا كلام هؤلاء ونقله إلى ماده الإمكان والوجوب، وأن الممكن لا يترجح إلا بمرجح، لئلا يناقض قوله في قدم العالم، ويقول: إنه معلول علة قديمة مستلزمة له ونسى ما قرره في المنطق، هو وسلفه، من أن الممكن الذي يمكن وجوده وعدمه لا يكون إلا حادثاً، وأن الدائم الأزلى والأبدي لا يكون إلا ضرورياً واجباً، لا يكون ممكن الوجود والعدم، وهذا الذي ذكروه في المنطق متفق عليه بين العقلاء.
وأخذ قولهم الضعيف في أن القادر المختار يحدث الحوادث بلا سبب حادث، جعله له حجة على قدم العالم، بناء على مطالبتهم بسبب الحدوث، وكان ما يلزمه ويبين فساد قوله، أعظم مما يلزمهم ويبين فساد قولهم، فإنه إذا كان العالم صادراً عن علة مستلزمة له، والعلة المستلزمة لا يتأخر عنها شيء من معلولها، لزم أن لا يحدث في العالم شيء من الحوادث، أو أن تكون الحوادث حدثت بلا محدث.
وفي ذلك من الترجيح بلا مرجح ما هو أعظم مما بنوا عليه وجود الواجب.
فيلزمهم على قولهم بطلان ما أثبتوا به واجب الوجود، وبطلان الاستدلال بالحدوث على المحدث، وبالممكن على الواجب، وأن تكون الحوادث حدثت بلا محدث أصلاً.