ومع هذا فحجتك على إبطال قولهم قد عرف ضعفها، ولكن الفرق بين هؤلاء وهؤلاء: أن هؤلاء يجعلون الصانع أكثر من واحد، فيقولون بالتعدد في الصانع.
وأولئك إذا أثبتوا أصلاً وطنية غير معلولة، فلا يجعلونها فاعلة صانعة، بل قابلة للفاعل، فهؤلاء يقولون: إن الفاعل للعالم واجب بنفسه وهؤلاء يدخل فيهم من قال بقولهم، كابن زكريا المتطبب حيث قالوا: القدماء خمسة، وسبب حدوث العالم عشق النفس للهيولى، فإن هؤلاء يقولون بقدم مادة العالم ومكانه وزمانه والنفس.
وكان ابن سينا ذكر هذا القول، وذكر قول المجوس الذين يقولون بقدم النور والظلمة.
فهذان القولان متشابهان من بعض الوجوه، فإن هذا يقول: سبب حدوث العالم اختلاط النور والظلمة.
وهذا يقول: سببه عشق النفس للهيولى، ثم ذكر قول المتكليمن وقول أصحابه، فلم يذكرإلا هذه الأقوال الأربعة.
وأما قول أئمة الفلاسفة وأساطينهم القدماء فلم يذكره، كما لم يذكر قول الأنبياء وسلف الأمة.
وحينئذ فيقال: مذهب جمهور الفلاسفة أن أصل العالم معلول عن الواجب نفسه، والعالم مع ذلك محدث الصورة.
فهؤلاء لا يقولون بتعدد الواجب، ولا يقولون بقدم العالم، ولا يقولون بأن طينته غير