وهذا القول لم يذكره في نقله للمقالات، مع أنه من أشهر الأقوال عن أساطين الفلسفة، وهو أظهر أقوالهم في الحجة والدليل، فإنه لا يدر عليه ما يرد على غيره، ولا يمكنه أن يحتج على فساد قول هؤلاء بما احتج به على فساد قول غيرهم، بل حجته الصحيحة لا تدل إلا على قول هؤلاء، فإنهم يمكنهم أن يثبتوا للحوادث سبباً حادثاً، ويجعلون الفاعل معطلاً عن الفعل، ولا يقولون بقدم الأفلاك وحدوث حوادثها من غير سبب حادث، ولا يخالفون النصوص المشهورة عن الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه.
فكان قولهم أقرب إلى العقل والنقل من الأقوال التي ذكرها.
قال: (ومنهم من وافق على أن واجب الوجود واحد، ثم افترقوا فقال فريق منهم: إنه لم يزل ولا وجود لشيء عنه، ثم ابتدأ وأراد وجود شيء عنه، ولولا هذا لكانت أحوال متجددة من أصناف شتى في الماضي لا نهاية لها موجودة بالفعل، لأن كل واحد منها وجد، فالكل وجد، فيكون لما لا نهاية له من أمور متعاقبة كلية منحصرة في الوجود.
قالوا: وذلك محال، وإن لم تكن كلية حاصرة لأجزائها معاً فإنها في حكم ذلك، وكيف يمكن أن تكون حال من هذه الأحوال