للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مفعول له لا يعقل مقارنته له، لكن يعقل صدور الفعل عنه شيئاً بعد شيء، فتكون المفعولات صادرة عنه شيئاً بعد شيء.

وهؤلاء أصلوا أصلاً فاسداً ظهر به فساد قولهم وهو أن العلة التامة التي تسمى المؤثر التام يجب أن يقارنه معلوله في الزمان بحيث لا يتأخر عنه، ولا يكون معلول إلا لعلة تامة.

وهذا ناقضوا به المتكلمين الجهمية والمعتزلة، ومن وافقهم في قولهم: إن المؤثر التام يجوز، بل قد يجب، أن يتراخى عنه أثره، فقالوا: الباري كان في الأزل مؤثراً تاماً وتراخى عنه أثره.

فقال أولئك: بل يجب أن يقارنه أثره.

والصواب قول ثالث، وهو أن التأثير التام من المؤثر يستلزم الأثر، فيكون الأثر عقبه، لا مقارناً له، ولا متراخياً عنه.

كما يقال: كسرت الإناء فانكسر، وقطعت الحبل فانقطع، وطلقت المرأة فطلقت وأعتقت العبد فعتق.

قال تعالى: {إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون} ، فإذا كون شيئاً كان عقب تكوين الرب له، لا يكون مع تكوينه ولا متراخياً عنه.

وقد يقال: يكون مع تكوينه، بمعنى أنه يتعقبه لا يتراخى عنه.

وهو سبحانه ما شاء كان ووجب بمشيئته وقدرته، وما لم يشأ لم يكن لعدم مشيئته له، وعلى هذا فكل ما سوى الله تعالى لا يكون إلا حادثاً مسبوقاً بالعدم، فإنه إنما يكون عقب تكوينه له،

<<  <  ج: ص:  >  >>