التصورات للنفس أوجب حدوث الأجسام، وهو باطل في نفسه مخالف للعقل والنقل كما تقدم، وأجود أجوبته المعارضة والنقض، وهو أنه يقول: هذه الحجة تستلزم أن لا يحدث شيء من العالم، وهو خلاف المشاهدة.
وهذه المعارضة جيدة إذا ادعى المدعي أن المرجح التام لكل ممكن ثابت في الأزل، فأن الحس والمشاهدة يناقض ذلك، ودليلهم لا يدل على ذلك، بل يدل على حصول مطلق الترجيح، لا على حصول ترجيح لممكنات معينة، ولا كل ممكن.
فهذا يبين أنه ليس في دليلهم حصول مطلوبهم، فإن مطلوبهم حصول المؤثر التام في الأزل لأثر معين، كالعقول والنفوس والأفلاك.
ومعلوم أن دليلهم لا يدل على ذلك، بل إنما يدل على أنه لم يزل يفعل شيئاً، فإذا قدر أن ذلك الفعل هو قائم بنفسه، لا مفعول له في الخارج، كان ذلك وفاءً بموجب دليلهم، وإذا قدر أن ذلك كونه لم يزل متكلماً إذا شاء، كان وفاءً بموجب دليلهم.
وإذا قيل: إنه قامت به إرادات متعاقبة، كما قاله الأبهري، وأن بسبب بعض تلك الإرادات حدثت الحوادث، كان ذلك وفاءً بموجب دليلهم، إذ موجبه أنه يمتنع كونه يصير فاعلاً بعد أن لم يكن، والمثبت لمطلق لا ثبت فعلاً معيناً ولا مفعولاً معيناً، فضلاً عن أن يثبت عموم الفعل والمفعول.